كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{القتالَ} نصبًا.
قوله: {نَظَرَ المَغْشِيِّ} الأصلُ: نَظَرًا مِثْلَ نَظَر المَغْشِيِّ.
قوله: {فأولى لَهُمْ طَاعَةٌ} اختلف اللغويون والمُعْربون في هذه اللفظةِ. فقال الأصمعي: إنها فعلٌ ماضٍ بمعنى: قارَبَ ما يُهْلِكه وأنشد:
فعادَى بينَ هادِيَتَيْنِ مِنْها ** وَأولى أَنْ يزيدَ على الثلاثِ

أي: قارَبَ أن يزيدَ. قال ثعلب: لم يَقُلْ أحدٌ في {أولى} أحسنَ مِنْ قول الأصمعيِّ. ولكن الأكثرون على أنه اسمٌ. ثم اختلف هؤلاء فقيل: هو مشتقٌّ من الولي وهو القُرْبُ كقوله:
يُكَلِّفُني لَيْلَى وقد شَطَّ وليها ** وعادَتْ عَوادٍ بيننا وخُطُوْبُ

وقيل: هو مشتقُّ مِن الوَيْلِ. والأصلُ: فيه أو يل فقُلبت العين إلى ما بعدَ اللام فصارَ وزنُه أَفْلَع. وإلى هذا نحا الجرجانيُّ. والأصلُ عدم القَلْبِ. وأمَّا معناها فقيل: هي تهديدٌ ووعيدٌ كقوله:
فأولى ثم أولى ثم أولى ** وهَلْ للدَرِّ يُحْلَبُ مِنْ مَرَدِّ

وقال المبرد: يُقال لمَنْ هَمَّ بالغضبِ: أولى لك. كقول أعرابي كان يُوالي رَمْيَ الصيدِ فيَفْلَتُ منه فيقول: أولى لك. ثم رمى صيدًا فقارَبَه فأفلتَ منه. فقال:
فلوكان أولى يُطْعِمُ القومَ صِدْتُهم ** ولكن أولى يَتْرُكُ القومَ جُوَّعا

هذا ما يتعلَّقُ باشتقاقِه ومعناه. أمَّا الإِعرابُ: فإن قلنا بقول الجمهور ففيه أوجهٌ. أحدُها: أنَّ {أولى} مبتدأٌ. و{لهم} خبرُه. تقديرُه: فالهلاكُ لهم. وسَوَّغَ الابتداءَ بالنكرة كونُه دعاءً نحو: {ويْلٌ لِّكُلِّ هُمَزَةٍ} [الهمزة: 1]. الثاني: أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ تقديرُه العقابُ أو الهلاكُ أولى لهم. أي: أقربُ وأَدْنى. ويجوز أن تكونَ اللامُ بمعنى الباءِ أي: أولى وأحَقُّ بهم. الثالث: أنه مبتدأٌ. و{لهم} متعلِّقٌ به. واللامُ بمعنى الباء. و{طاعةٌ} خبره. والتقدير: أولى بهم طاعةٌ دونَ غيرِها. وإنْ قلنا بقول الأصمعيِّ فيكون فعلًا ماضيًا وفاعلُه مضمر. يَدُلُّ عليه السِّياقُ كأنه قيل: فأولى هو أي: الهلاكُ. وهذا ظاهرُ عبارةِ الزمخشري حيث قال: ومعناه الدعاءُ عليهم بأَنْ يَلِيَهم المكروهُ. وقال ابن عطية: المشهورُ من استعمالِ العرب أنك تقول: هذا أولى بك مِنْ هذا أي: أحقُّ. وقد تَسْتعملُ العربُ {أولى} فقط على جهةِ الحذفِ والاختصارِ لِما معها من القول فتقول: أولى لك يا فلان على جهةِ الزَّجْرِ والوعيد انتهى.
وقال أبو البقاء: أولى مؤنثة أولات وفيه نظر لأن ذلك إنما يكون في التذكير والتأنيث الحقيقيَيْن. أمَّا التأنيثُ اللفظيُّ فلا يُقال فيه ذلك. وسيأتي له مزيدُ بيانٍ في سورة القيامة إنْ شاء الله.
قوله: {طَاعَةٌ}: فيه أوجهٌ. أحدُها: أنه خبرُ {أولى لهم} على ما تقدَّم. الثاني: أنها صفةٌ لـ: {سورةٌ} أي: فإذا أُنْزِلَتْ سورةٌ مُحْكَمَةٌ طاعةٌ أي: ذاتُ طاعةٍ أو مطاعةٌ. ذكره مكيٌّ وأبو البقاء وفيه بُعْدٌ لكثرةِ الفواصلِ. الثالث: أنها مبتدأٌ و{قول} عطفٌ عليها. والخبرُ محذوفٌ تقديرُه: أَمْثَلُ بكم مِنْ غيرِهما. وقَدَّره مكي: مِنَّا طاعةٌ. فقدَّره مقدَّمًا. الرابع: أن يكونَ خبرَ مبتدأ محذوفٍ أي: أَمْرُنا طاعةٌ. الخامس: أنَّ {لهم} خبرٌ مقدمٌ. و{طاعةٌ} مبتدأٌ مؤخرٌ. والوقف والابتداء يُعْرَفان مِمَّا قدَّمْتُه فتأمَّلْه.
قوله: {فإذا عَزَمَ} في جوابِها ثلاثةُ أوجهٍ. أحدُها: قوله: {فلو صدقوا} نحو: إذا جاءني طعامٌ فلوجِئْتَني أطعمتُك.
الثاني: أنه محذوفٌ تقديره: فاصْدُقْ. كذا قَدَّره أبو البقاء. الثالث: أن تقديرَه: فاقْضُوا. وقيل: تقديره: كَرِهوا ذلك و{عَزَمَ الأمرُ} على سبيل الإِسنادِ المجازيِّ كقوله:
قد جَدَّتِ الحربُ بكم فَجُدُّوا

أو يكون على حَذْفِ مضافٍ أي: عَزَمَ أهلُ الأمرِ.
{فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوليْتُم أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22)}.
قوله: {أَن تُفْسِدُواْ}: خبرُ (عسى). والشرطُ معترضٌ بينهما. وجوابُه محذوفٌ لدلالةِ {فهل عَسَيْتُم} عليه أوهويُفَسِّره {فهل عَسَيْتُمْ} عند مَنْ يرى تقديمَه. وقرأ عليٌّ {إنْ توليتم} بضم التاءِ والواو وكسرِ اللام مبنيًا للمفعول مِن الولاية أي: إنْ وليتُكم أمورَ الناس. وقرئ {وليْتُمْ} من الولاية أيضًا. وهاتان تَدُلأن على أنَّ {تَوليْتُم} في العامَّةِ من ذلك. ويجوز أن يكونَ من الإِعراضِ وهو الظاهرُ. وفي قوله: {عَسَيْتُمْ} إلى آخِره التفاتٌ مِنْ غَيْبة في قوله: {الذين فِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ} إلى خطابِهم بذلك زيادةً في توبيخِهم.
وقرأ العامَّةُ {وتُقَطِّعوا} بالتشديد على التكثير. وأبو عمرو في روايةٍ وسلام ويعقوب بالتخفيف. مضارعَ قَطَعَ. والحسن بفتح التاء والطاءِ مشددةً. وأصلُها تَتَقَطَّعوا بتاءَيْن حُذِفَتْ أحداهما. وانتصابُ {أرحامَكم} على هذا على إسقاط الخافض أي: في أرحامكم.
{أولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وأعمى أَبْصَارَهُمْ (23)}.
قوله: {أولئك}: مبتدأ. والموصول خبرُه. والتقدير: أولئك المُفْسِدون. يَدُلُّ عليه ما تقدَّم. وقوله: {فأَصَمَّهم}.
ولم يَقُلْ: فَأَصَمَّ اذانَهم. و{أَعْمى أَبْصَارهم} ولم يَقُلْ: أَعْماهم. قيل: لأنه لا يَلزَمُ مِنْ ذهابِ الأُذُنِ ذَهابُ السماع فلم يتعرَّضْ لها. والأَبْصار- وهي الأعينُ- يَلْزَمُ مِنْ ذهابِها ذهابُ الإِبصارِ ولا يَرِد عليك {في اذَانِهِمْ وَقْرٌ} [فصلت: 44] ونحوه لأنه دونَ الصَّمَمِ. والصَّممُ أعظمُ منه.
{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القرآن أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (24)}.
قوله: {أَمْ على قُلُوبٍ}: أم منقطعةٌ. وقد عَرَفْتَ ما فيها. والعامَّةُ {على أَقْفالُها} بالجمع على أَفْعال. وقرئ {أَقْفُلُها} على أَفْعُل. وقرئ {إقْفالُها} بكسرِ الهمزةِ مصدرًا كالإِقبال. وهذا الكلامُ استعارةٌ بليغةٌ جُعِلَ ذلك عبارةً عن عَدَمِ وصو ل الحقِّ إليها.
{إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سول لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (25)}.
قوله: {الشيطان سول}: هذه الجملةُ خبرُ {إِنَّ الذين ارتدوا}. وقد تقدَّم الكلامُ على {سول} معنًى واشتقاقًا. وقال الزمخشري هنا: وقد اشتقَّه من السُّؤْل مَنْ لا عِلْمَ له بالتصريفِ والاشتقاقِ جميعًا كأنَّه يُشير إلى ما قاله ابن بحر: مِنْ أنَّ المعنى: أعطاهم سُؤْلَهم. ووجه الغلطِ فيه أنَّ مادةَ السُّؤْلِ من السؤال بالهمز. ومادةَ هذا بالواوفافترقا. فلوكان على ما قيل لقيل: سَأَّل بتشديد الهمزة لا بالواو. وفيما قاله الزمخشريُّ نَظَرٌ؛ لأن السؤالَ له مادتان: سَأَل بالهمز. وسال بالألفِ المنقلبةِ عن واوٍ. وعليه قراءة {سال سايل} وقوله:
سالَتْ هُذَيْلٌ رسول الله فاحِشةً ** ضَلَّتْ هُذَيْلٌ بما سالَتْ ولم تُصِبِ

وقد تقدَّم هذا في البقرةِ مُسْتوفى.
قوله: {وأَمْلَى} العامَّةُ على {أَمْلَى} مبنيًا للفاعل. وهو ضمير الشيطان. وقيل: هو للباري تعالى. قال أبو البقاء: على الأول يكونُ معطوفًا على الخبر. وعلى الثاني يكونُ مُسْتأنفًا. ولا يَلْزَمُ ما قاله بل هو معطوفٌ على الخبر في كلا التقديرَيْن. أخبر عنهم بهذا وبهذا. وقرأ أبو عمرو في آخرين {أُمْلِيَ} مبنيًا للمفعول. والقائمُ مَقامَ الفاعلِ الجارُّ. وقيل: القائم مَقامَه ضميرُ الشيطان. ذكره أبو البقاء. ولا معنى لذلك. وقرأ يَعْقُوبُ وسلام ومجاهد {وأُمْلِيْ} بضمِ الهمزةِ وكسرِ اللام وسكونِ الياءِ. فاحتملَتْ وجهَيْن. أحدُهما: أَنْ يكونَ مضارعًا مُسْندًا لضمير المتكلم أي: وأُمْلِي أنا لهم. وأَنْ يكونَ ماضيًا كقراءة أبي عمروسُكِّنَتْ ياؤه تخفيفًا. وقد مضى منه جملةٌ.
{ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قالوا لِلَّذِينَ كَرِهوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (26)}.
قوله: {إِسْرَارَهُمْ}: قرأ الأخَوان وحفصٌ بكسرِ الهمزة مصدرًا. والباقون بفتحها جمعَ سِرّ.
{فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (27)}.
قوله: {فَكَيْفَ}: إمَّا خبرٌ مقدمٌ أي: فكيف عِلْمُه بإسْرارِهم إذا تَوَفَّتْهم؟ وإمَّا منصوبٌ بفعلٍ محذوفٍ أي: فكيف يَصْنعون؟ وإمَّا خبرٌ لـ: كان مقدرةً أي: فكيف يكونون؟ والظرفُ معمول لذلك المقدَّرِ. وقرأ الأعمش {تَوَفَّاهم} دونَ تاءٍ فاحتملَتْ وجهين: أن يكونَ ماضيًا كالعامَّةِ. وأن يكونَ مضارعًا حُذِفَت إحدى ياءَيْه.
قوله: {يَضْرِبُون} حالٌ: إمَّا من الفاعلِ. وهو الأظهرُ. أو من المفعول.
{أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ أَضْغَانَهُمْ (29)}.
قوله: {أَن لَّن يُخْرِجَ}: {أنْ} هذه مخففةٌ و{لن} وما بعدها خبرُها. واسمُها ضميرُ الشأن. والأَضْغان: جمعُ ضِغْن. وهي الأحقاد والضَّغِينة كذلك قال:
وذي ضِغْنٍ كَفَفْتُ الوُدَّ عنه ** وكنتُ على إساءَتِه مُقِيتا

وقال عمرو بن كلثوم:
فإنَّ الضِّغْنَ بعد الضِّغْنِ يَغْشُو ** عليكَ ويُخْرِجُ الداء الدَّفينا

وقيل: الضِّغْنُ العداوةُ. وأُنْشِد:
قُلْ لابنِ هندٍ ما أردْتَ بمنطقٍ ** ساء الصديقَ وشَيَّد الأضغانا

يقال: ضَغِنَ بالكسرِ يَضْغَنُ بالفتح وقد ضُغِنَ عليه. واضْطَغَنَ القومُ وتَضاغنوا. وأصل المادة من الالتواءِ في قوائم الدابةِ والقناة قال:
إنَّ قناتي مِنْ صَليباتِ القَنا ** ما زادَها التثقيفُ إلاَّ ضَغَنا

وقال آخر:
........................... ** كذاتِ الضِّغْنِ تَمْشي في الرِّفاقِ

والاضْطِّغانُ: الاحتواءُ على الشيء أيضًا. ومنه قولهم: اضْطَغَنْتُ الصبيَّ أي: اختصَصْتُه وأنشد:
كأنه مُضْطَغِنٌ صَبِيَّا

وقال آخر:
وما اضْطَغَنْتُ سِلاحي عند مَغْرِضِها

وفرسٌ ضاغِنٌ: لا يَجْري إلاَّ بالضرب.
{ولو نشاء لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ ولتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ القول وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ (30)}.
قوله: {لأَرَيْنَاكَهُمْ}: مِنْ رؤيةِ البصرِ. وجاء على الأفصح من اتصالِ الضميرَيْن. ولوجاء على: أَرَيْناك إياهم جازَ.
قوله: {فَلَعَرَفْتَهُمْ} عطفٌ على جوابِ لو. وقوله: {ولتَعْرِفَنَّهم} جواب قسمٍ محذوفٍ.
قوله: {فِي لَحْنِ القول} اللحن يُقال باعتبارَيْن. أحدُهما: الكنايةُ بالكلامِ حتى لا يفهمَه غيرُ مخاطبَكِ. ومنه قول القَتَّالِ الكلابي في حكاية له:
ولقد وَحَيْتُ لكم لكيما تَفْهموا ** ولحَنْتُ لَحْنًا ليس بالمُرْتابِ

وقال آخر:
منطِقٌ صائبٌ وتَلْحَنُ أَحْيا ** نًا وخيرُ الحديثِ ما كان لَحْنًا

واللَّحْنُ: صَرْفُ الكلامِ من الإِعراب إلى الخطأ. وقيل: يجمعُه هو والأول صَرْفُ الكلامِ عن وجهِه. يقال من الأول: لَحَنْتُ بفتح الحاء أَلْحَنُ له فأنا لاحِنٌ. وألحنتُه الكلامَ: أفهمتُه إياه فلَحِنَه بالكسر أي: فَهمه فهو لاحِنٌ. ويُقال من الثاني: لَحِن بالكسر إذا لم يُعْرِبْ فهو لحِنٌ.
{ولنبلونكم حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوأَخْبَارَكُمْ (31)}.
قوله: {ولنبلونكم حتى}: قرأ {وليبْلوَنَّكم حتى يَعْلم} {ويبلوأخبارَكم} أبو بكر الثلاثةَ بالياءِ مِنْ أسفلَ يعني اللَّهَ تعالى. والأعمش كذلك وتسكين الواو والباقون بنون العظمةِ. ورُوَيس كذلك وتسكينُ الواو. والظاهرُ قَطْعُه عن الأول في قراءة تسكينِ الواو. ويجوزُ أَنْ يكونَ سَكَّن الواوتخفيفًا كقراءة الحسن {أَويَعْفُوالذي} بسكونِ الواو.
{فَلَا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ ولنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ (35)}.
قوله: {وتدعوا إِلَى السلم}: يجوز جَزْمُه عطفًا على فعل النهيِ. ونصبُه بإضمار أَنْ في جواب النهي. وقرأ أبو عبد الرحمن بتشديدِ الدال. وقال الزمخشري: مِنْ ادَّعَى القومُ وتداعَوْا مثلَ: ارتَمَوْا إلى الصيد وتَرَامَوْا. وقال غيره: بمعنى تَغْتَرُّوا يعني تَنْتَسِبوا. وتقدَّم الخلافُ في {السّلم}.
قوله: {وأنتم الأَعْلَوْن} جملةٌ حاليةٌ. وكذلك {والله معكم} وأصل {الأعْلَوْنَ}: الأَعْلَيُون فأُعِلَّ.
قوله: {يَتِرَكُمْ} أي: يُنْقِصكم. أو يفْرِدكم عنها فهو من: وَتَرْتُ الرجلَ إذا قتلْتَ له قتيلًا. أونهبْتَ مالَه. أو من الوِتْر وهو الأنفرادُ. وقيل: كلا المعنيين يَرْجِعُ إلى الإِفراد؛ لأن مَنْ قُتِل له قتيلُ أونُهِبَ له مالٌ فقد أُفْرِد عنه.
{إِنْ يَسْأَلْكُمُوهَا فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَيُخْرِجْ أَضْغَانَكُمْ (37)}.
قوله: {فَيُحْفِكُمْ}: عطفٌ على الشرط و{تَبْخَلوا} جوابُ الشرط.
قوله: {ويُخْرِجْ أَضْغانَكم} العامَّةُ على إسنادِ الفعل إلى ضميرِ فاعلٍ: إمَّا اللَّهِ تعالى أو الرسول أو السؤالِ؛ لأنه سببٌ وهو مجزومٌ عَطْفًا على جوابِ الشرط. ورُوي عن أبي عمرورفعُه على الاستئنافِ. وقرأ أيضًا بفتح الياء وضمِّ الراء ورفعِ {أَضْغانُكم} فاعلًا بفعله. وابن عباس في آخرين {وتَخْرُجْ} بالتاء مِنْ فوقُ وضم الراء {أضغانُكم} فاعلٌ به. ويعقوب {ونُخْرِجْ} بنون العظمة وكسرِ الراء {أضغانَكم} نصبًا.
وقرئ {يُخْرَجْ} بالياء على البناء للمفعول {أَضْغانُكم} رفعًا به. وعيسى كذلك إلاَّ أنه نَصَبه بإضمار {أَنْ} عطفًا على مصدرٍ متوهَّمٍ أي: يَكُنْ بُخْلُكُمْ وإخراجُ أضغانِكم.
{هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الفقراء وَإِنْ تَتَولوا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ (38)}.
قوله: {هَا أَنتُمْ هؤلاء}: قال الزمخشري: {هؤلاء} موصول صلتُه {تَدْعُوْن} أي: أنتم الذين تَدْعُون. أوأنتم يا مخاطبون هؤلاء الموصوفون. ثم استأنف وصفَهم كأنهم قالوا: وما وَصْفُنا؟ فقيل: تَدْعون. قلت: قد تقدَّم الكلامُ على ذلك مُشْبَعًا في سورة آل عمران.
قوله: {يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ} بَخِلَ وضَنَّ يتعديَّان بـ: على تارةً وب عن أخرى. والأجودُ أَنْ يكونا حالَ تَعدِّيهما بـ: {عن} مضمَّنَيْن معنى الإِمْساك.
قوله: {وإنْ تَتَولوا} هذه الشرطيةُ عطفٌ على الشرطية قبلها. و{ثُمَّ لاَ يكونوا} عطفٌ على {يَسْتَبْدِلْ}. اهـ.